في ذكرى الرحيل .. الشيخ الشهيد الريان

في ذكرى الرحيل .. الشيخ الشهيد الريان
طباعة تكبير الخط تصغير الخط

 

 (الريان) تلك الشمعة المضيئة .. الشعلة المتقدة، شجرة جذرها يمتد إلى النبوة المطهرة، وهو حلقة في سلسلة كبيرة، وهو زلزال صرخ في وجه الاحتلال الغاشم.. وهو دفع ثمناً دمه وأهله وعياله وبيته ودموعه وماله .. وهو من أثبت أن الكف ينتصر على المخرز، وأن الصبر الجميل والجهاد الطويل يملك التصدي لقوى الباطل الجامحة، وهو النموذج الأروع والقدوة الأمثل التي حفرت لشعبنا مكانته اللائقة ومنزلته السامية.. يستحيل على الذاكرة أن تطمس النور الساطع من هذا النموذج الخالد، وأنوار الشهادة والشهداء تعبق ذكره وترفع أسمه.

 

حقاً يضفي الله من الهيبة على شهيد وعالم جليل ما يرفع مكانته بين الخلق، ويدفع الشباب أن يلتفوا حوله، ويجعل المحتلين والمتخاذلين معاً يحسبون له ألف حساب. (الريان) رجل القيادة والعزيمة الذي رحل والده عبد القادر من قرية (نعليا)، (قضاء عسقلان) الفلسطينية، فيما ولد الشيخ الريان في جباليا بتاريخ 06/03/1959م، وقد استشهد جده وعمه على يد الإحتلال المجرم لفلسطين الجريحة،  واسترعت (جماعة الإخوان المسلمين) نظر (الشيخ الريان)، فأقسم البيعة لجماعة الإخوان المسلمين في عام 1977م. وبقي الشيخ الريان مواكباً لمسيرة الحركة الإسلامية وحركة التغيير العالمي حتى استشهاده وأهله المبارك، بتاريخ 01/01/2009م، وقد أمضى ما يقرب من خمسين عاماً مليئة بالتضحية والفداء والعلم والعمل والإخلاص ولسان حاله يقول "وعجلت إليك ربي لترضى".

 

الريان العسقلاني كان قدوة وأنموذج في حياته القصيرة والزاخرة، فالريان المتواضع المعطاء الكريم الجواد النبيل الزاهد، عرفته أسر وأزقة مخيم جباليا وقطاع غزة راعياً للأسر المستورة متفقداً لأحوالها وراعياً لطلاب العلم الشرعي على وجه الخصوص. ومقدماً لنموذج من عهد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين في العمل الإجتماعي والخيري والإغاثي، وما يصاحب ذلك من تواضع وتضحية وفداء. كم كان الريان باراً بأهله مراعياً لحقوق جيرانه متفقداً لحال إخوانه وتلاميذه.

عرفت غزة (الريان) ربانياً قدم نموذج في رعايته لعلم الحديث الشريف، حيث قدم العشرات من الكتب والأبحاث والدراسات والمقالات، ولعل الشهيد الشيخ كان له فضل السبق في استخدام الكمبيوتر في علوم الدين، علاوة على تواجده الدائم بين الجماهير الفلسطينية خطيباً مفوهاً وواعظاً ومعلماً على طريق الحق والقوة والحرية. وقد جعل في ذلك بيته ومكتبته الخاصة (العامرة) منارة لطلاب العلم. وقدم العالم الجليل الشهيد خدمة رائعة في رعايته لبناء المساجد في كافة مدن الشمال لاسيما مخيم جباليا.

(الريان) عرفته غزة والمقاومة والفداء قائداً سياسياً في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حريصاً على الوحدة الوطنية وقائداً جماهيرياً لشعبه يقود المسيرات والاعتصامات، وقائداً جهادياً قدَّم ولده (إبراهيم) شهيداً بعد أن جهزه بنفسه في عملية استشهادية جريئة، ومجاهداً صنديداً شجاعاً جريئاً مقداماً ملك عليه حب الشهادة في حياته. ولم يمنعه المضي، ولم يقعده طلب العلم ولا التعذر بالعمر من أن يكون في صفوف المرابطين في الخطوط المتقدمة، كم جهّز من المجاهدين بالسلاح واللباس والعتاد، وأعَّد في مبادرة نوعية مجموعات المجاهدين والمرابطين من كبار السن.

كما كان للشيخ المجاهد الشهيد السبق في إيواء المجاهدين المطاردين في وقت نضبت فيه بيوت الإيواء للمطاردين، وكانت المبادرة الجريئة الشجاعة في مشروع (الدروع البشرية) لحماية البيوت المستهدفة بالقصف ليوقف حلقة من سلسلة إجرام الصهاينة.

وكم وقت العالم المجاهد محرضاً بخطاباته النارية محرضاً على الجهاد مثبتاً للناس والمجاهدين يذكره الشعب الفلسطيني جيداً وهو يقود (أيام الغضب) وهو يقول: "لن يدخلوا معسكرناً"، وكان ذلك ويذكره العالم بأسره في أيام الفرقان الأولى وهو يقول: "لن يدخلوا قطاعنا"، كانت كلمات الثبات والتحدي والإرادة التي ساهمت كثيراً في تثبيت القلوب والأفئدة.

كانت الشهادة أسمى أمانيه، وكانت دعاءه الذي لا يتوقف. وقد أكرمه الله باستشهاده وأهله الكرام. في الليلة الظلماء غابت الذروة الشماء وافتقد البدر الذي رحل، وهو يبني بيت الشموخ والكبرياء، ولم يكتمل البناء بعد، وها هي حلة قشيبة من الشهداء الذين نسجهم الشيخ الشهيد (الريان) بجهاده وعلمه. رحل الشيخ الشهيد (الريان) بعد أن ساهم في بناء مدرسة الجهاد والمقاومة والعزيمة، وأصبح معلماً بارزاً وركناً عتيداً في قلعة البناء والتحرير والجهاد والاستشهاد .

 

الشهيد الشيخ ملحمـة خالدة لا تنتهي... والريان مدرسة عز نظيرها والمدرسة مشرعـة الأبواب .. تؤذن أن في الطريق سالكين قد سبقوك.. وأن الدرب الممهرة بالدم.. المسيجة بالتضحية.. المعبدة بالجهاد المتنوع اللامحدود لازال فيها متسع للسالكين.. ولازال في الوقت متسع. وإن التوثيق واجب كي تبقى مدرسة "الريان الشهيد" تتوارثها الأجيال كي تحدث أبناءك قصص العظام وتعلمهم أبجديات المقاومة.. وتقدم لهم القدوة شاخصة في دماء نازفة.. وأرواح توّاقة. قدوة من ذات العصر الذي تحياه كي لا تعتذر بتغير الأيام والأزمان... القدوة في أولئك النفر العظام الذين تمنطقوا بالشهادة وتسلحوا بالعقيدة.. وقدموا لأمتنا وشعبنا النموذج الأروع، ورفعوا أسهم قضية فلسطين، وتقدر العظمة بمقدار ما يقدم المرء لدينه وأمته وشعبه من عطاء.

 

إذا كانت قرأت قصة الشيخ فعد إليها ثانية فهي سلاح في مواجهة النوائب تدفع فيك العزم والهمة... أو ادفعه إلى من أحببت كي تقذف فيه الروح. وأنبأ الجميع أن ( الشيخ الريان) مدرسة عظيمة خالدة، وجدير أن يسطر تاريخها بمداد النـور والنار ليبقى سجلاً تتوارثه الأجيال حتى يأذن الله بالنصر والتمكيـن.

 

ولنا وقفة أخيرة مع أبيات من رثاء الشيخ الشهيد:

 

حروف رثاء ريان نزار
 

 

وسحب دماء ثورته غزار
 

تلونت السماء بدفق قانٍ
 

 

فغطى جبهة الشمس النشار
 

جبال سيرت فغدت طيوفاً
 

 

وران غلالة النجم انكدار
 

فأدمي الهامة الشماء قصف
 

 

وأحدق صفحة البحر السجار
 

فَجدُ يا طرف من بكيا حبيب
 

 

فهذا القلب أحرقه الأوار
 

هي الأقدار تكلمنا بطودٍ
 

 

جليل القدر يكسوه الوقار
 

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...