حاصر حصارك

حاصر حصارك
طباعة تكبير الخط تصغير الخط

حاصر حصارك".. قالها شاعرنا "محمود درويش" لترن في آذاننا ونحن نقلب كل حجر في الأرض نبحث فيه عن خبرة مقاومة حصار الطغاة، شريطة أن تكون بشيء آخر غير الأهازيج والكلمات رغم عظيم أهميتها وقوة إسهامها في رفع الروح المعنوية وخلق التعاضد وبناء التماسك. ولكن لابد أن يتوازى معها معزوفات اقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية تجري على الأرض وتحدث فعلها المتين وأداءها الرصين المتناغم بعيداً عن عاطفة جياشة تقزم الأخطار أو تبالغ في الإمكانات والإنجازات.

 

الحقيقة أننا مازلنا نرزح تحت الحصار القاسي والذي نحن بحاجة إلى مواجهته وعلى أكثر من مستوى. 

 

فمواجهة الحصار الاقتصادي في ظل النظام العالمي الجديد يصعب التحايل عليه بجغرافيا وآليات تقليدية، وهوامش المناورة محدود، فالولايات المتحدة تملك مجمل الأوراق: الاستثمار - التكنولوجيا - إغلاق الأسواق – الصادرات والواردات - تجفيف موارد الصناعة – النظام المصرفي العالمي وغير ذلك. ومن هنا كان التحدي الاقتصادي الأخطر وكانت من ثم ضرورة تكاتف الجهود في بناء اقتصاد الصمود (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع).

 

 ربما في مرحلة الحصار من المجدي تفعيل قطاع الزراعة والاستفادة القصوى من أراضي المحررات في إنتاج كل ما يمكن أن يقوت شعبا يخضع للحصار ويُطارد بلقمة العيش. وربما يوفر ذلك فرصاً لا بأس بها في إسهام جاد في تقديم حلول للبطالة واستفحالها, ويساهم ذلك في بناء قطاع المزارعين الذي خضع لخسائر فادحة أسهمت إحجاماً عن مواصلة الزراعة.

 

بناء اقتصاد الصمود ينبغي أن يتعاضد مع المضي بخطى حثيثة ومترابطة وفق مخطط علمي مدروس خاصة في قطاع الصحة، مع تقديم أعلى مستوى خدمة في ميدان التعليم من أجل الاستمرار في بناء الإنسان الفلسطيني على أسس من الإيمان والوحدة والعزة والإعداد, مع الاستمرار في تنفيذ البرامج الاجتماعية من أجل استيعاب كافة الآثار المترتبة على الحصار في صيانة دائمة دائبة للنسيج الوطني الفلسطيني, ومن هنا فإن سيادة العدل والإخاء الفلسطيني عبر تقديم نموذج متقدم لفن التعامل الإسلامي الوطني خير عون لشحذ الهمم وتقديم النموذج الفاعل في الصبر والعض على الجراح.

 

حوصر النبي صلى الله عليه وسلم في الشعب وتنكر القريب والبعيد عنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقدموا نموذجاً في الصبر عز نظيره وفاق الخيال في الاحتمال دون أن يُبدي انكسارا أو طريقاً للتراجع. كما تم حصاره صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المدينة بجيش من الأحزاب مع تآمر ومكر يهودي فكان صلى الله عليه وسلم يقتات إلى جوار الصبر بإرادة القتال والمقاومة والاستعداد الدائم لرد العدوان وطرد المعتدين. انتهى حصار مرحلة الاستضعاف إلى هجرة فتحت آفاق بداية التمكين, وانتهى حصار الأحزاب إلى الانتقال من مرحلة الاستهداف والدفاع إلى مرحلة الاستقواء والهجوم.

 

وفي حصار العراق الذي استمر سنوات طوالا رفع الرئيس الراحل صدام حسين شعار "تباً للمستحيل" ونحن اليوم بالتأكيد في حاجة ماسة إلى رفع ذات الشعار ونحن نبني اقتصاد الصمود في مواجهة غطرسة الحصار الظالم المجرم. 

 

والحصار الكوبي منحنا خبرات قابلة للتعميم إنسانيًّا وتتخطى كل أطر الأيدلوجيات حين قدم نموذجاً في التحايل والالتفاف وإتقان السياسة (فن الممكن) في مواجهة الغطرسة الأمريكية.

 

هل نحن قادرون على فك أحجية الحصار واستثمار إمكانيات وقدرات شعبنا مع قدرة على إدارة رشيدة للشأن الداخلي والخارجي في استثمار لأوراق القوة, وهل نحن قادرون على دراسة نماذج الحصار في التاريخ من أجل العبرة والعظة (لقد كان في قصصهم عبرة). من الصعب طبعا إجابة سؤال من هذا النوع. لكن الرهان على اقتصاد منعزل ومرتبط بالاحتلال بعيداً عن الصبر الجميل والترابط الاجتماعي والمقاومة والجهاد مع توظيف متقن للحلول الإبداعية مقامرة تحتاج إلى دقة حساب؟! فهل نحن في الطريق؟