حوارات الدوحة .. هل من طريق؟؟
الشأن الفلسطيني الداخلي لا ينفك عن تدخل أطراف العالم قاطبة فيه دون مواربة أو مداراة... وهو الشأن ذاته الذي استمر طويلاً دون الوصول إلى قواسم مشتركة أو اتفاقات تُلزم الجميع. وإلزام الجميع تلك الوصفة السحرية لفشل حوارات الشأن الفلسطيني في ظل تناقضات الرؤى الفلسطينية وكثرة اللاعبين!! حيث هناك من لا يريد الالتزام بنتائج الحوارات التي تقلل من مساحة المناورة لديه أو تنتقص من مطامعه أو يعتقد مخطئاً أنها حقوق مكتسبة ورثها كابراً عن كابر في قضية أصبحت لدى البعض ميراثاً.
والاتفاق للأسف ليس الهدف في النهاية وإن كان البعض يعلن رغبته في الاتفاق مع ملاحظة مجافاة القول الفعل. بل ربما هدف البعض إلى عدم الاتفاق وذلك بفرض أجندته الخاصة وإلا فالإعلان عن عدم الاتفاق جاهز وإلا كيف نفسر التصريحات المتزايدة والتي تحمل الاشتراطات المسبقة، وربما كانت الحوارات لتمرير حالة داخلية أو سياسية معينة أو لترحيل مشكلة داخلية وما يصاحب هذه الحوارات من أجواء عدم الثقة والشكوك والظنون ومن هنا كانت نتائج الحوارات غير نافذة ولا تحقق النتيجة المرجوة بل تترسخ أجواء الشك وسوء الظن، علاوة على أن هناك من يجعل الحوار يجري في دائرة مفرغة من حيث الحرص على تحديد النصيب الخاص من تفاحة الوطن بغض النظر عن الانتخابات وواقع القوى في الشارع، ومدى الحرص على إعادة بناء المرجعية (منظمة التحرير).
ورغم الإدراك بالاحتلال والحصار والإرهاب الذي يعانيه شعبنا، فإن الحوارات تجرى على مستوى القمة فقط مما يوفر أسباب الفشل منذ الانطلاقة وعدم وصولها لحالة نجاح مرجوٌ أو اتفاق الحد الأدنى الذي يُطبق ميدانياً بينما يغيب قادة وجند الميدان الأقرب إلى نبض الشارع عن حالة الاتفاق والتفاهم. وكان يمكن استدراك ذلك بالتواصل الفاعل بين القيادة والقاعدة ولكن؟!
وكان من الممكن مراكمة نجاحات جزئية في حوارات الوطن التائه، ولكن لم يتم حتى المحافظة على الحد الأدنى من الإنجازات الحوارية حتى غدا الشعب ينظر إلى هذه الحوارات كأنها أكذوبة تفقد دلالاتها، مع تزايد غير مسبوق في حالة عدم الثقة والإحباط، ومن ذلك نلحظ اللامبالاة في المتابعة الشعبية لحوار الدوحة، ومن جانب آخر يقوم البعض بالتغاضي عن بعض نقاط الاتفاق والإصرار على نقاط اتفاق أخرى فبينما يتم الإصرار على حكومة الوحدة والانتخابات يتم التغاضي والتهرب عن إعادة بناء منظمة التحرير.
هذا بالإضافة إلى كون جزء من هذه الحوارات كان بناءً على مقتضيات التدخل الخارجي أو بحده الأدنى رفع الفيتو عن المصالحة الفلسطينية سواء عربي، إسرائيلي، أو أمريكي، أوروبي من أجل الجذب إلى البرامج السياسية المختلفة دون مراعاة لمبادئ وبرامج الآخرين ورصيدها الشعبي والتاريخي.
إن صعود حماس اليوم لموقع القيادة السياسية الأولى للشعب الفلسطيني خاصة بعد الحصار الظالم والعدوان المتكرر ومنع الاعمار والاحتقان الداخلي. وعدم تنفيذ بنود اتفاقات الحوارات السابقة وآخرها اتفاق القاهرة واعتماد وثيقة الوفاق الوطني واتفاق مكة ووثيقة صنعاء واتفاق الشاطئ، واليوم حوارات الدوحة مجدداً كمرجعية للجميع بعد الاتفاق عليها من الجميع، اليوم يدخل الشعب الفلسطيني في نفق لا نرى نوراً في نهايته خاصة ونحن نرى قوى العبث بمقدرات شعبنا ترومه مصيراً سيئاً عبر التنسيق الأمني والفتنة وتعمد الإساءة لشعبنا وسجله المشرف وتاريخه الوضاء. علاوة على الاستغلال السيئ لقوى الأجهزة الأمنية لتكون جزءاً من الاحتلال بدلاً من كونها صمام أمان وعلامة استقرار للمجتمع الفلسطيني، وبدل أن تمثل رافعة لانتفاضة القدس كما كانت في انتفاضة الأقصى.
كل ذلك وشعبنا يعاني حصاراً خانقاً تشارك فيه أطراف عدة وتضغط قوى داخلياً وخارجياً من أجل أن يعود الشعب الفلسطيني إلى مربعه الأول حيث اليد العليا في شؤون الوطن لمن يتحقق عنهم الرضا في المحافل الدولية والإسرائيلية.
وثمة مؤشرات كثيرة قد لا تسمح بنجاح حوارات توقفت وتعثرت وانتظمت مرات عديدة ومنها تصريحات إعلامية واستمرار الاعتقالات ومحاولات وقف الانتفاضة. وكذلك استمرار الحصار المالي وإعادة الاعمار المتعاون عليه محلياً.
فضلاً عن الاختلاف الحاد في البرامج وفي زاوية النظر لعديد القضايا وأبرزها في هذه المرحلة برنامج حكومة الوحدة الوطنية، ويمكن هنا العودة إلى برنامج حكومة الوحدة بعد اتفاق مكة، وكذا الموظفين في غزة والالتزام برواتبهم، وقطر كما يبدو أبدت التزاماً عالياً تجاه ذلك، والأهم إعادة بناء منظمة التحرير عبر عقد الإطار القيادي وإجراء انتخابات المجلس الوطني، وهذا يمكن رسم سيناريو له رغم وقائع الإقليم الصعبة.
الأمل أن ينجح حوار الدوحة الحالي والأمل أكثر أن نتجاوز ولو لمرة واحدة الفشل المؤكد الذي لازم الحوارات السابقة جميعها لمصلحة الجميع. والجميع هنا هو الوطن بأكمله.. ولكن أنى لجولة الحوار النجاح والألغام فوق طاولة الحوار تتفجر الواحدة تلو لإفشال الحوار وصولاً إلى قلب الطاولة بمن حولها وبما فوقها وبالوطن كله تمهيداً واندفاعاً نحو تفتيت الثوابت الوطنية وتحويلها إلى متغيرات يمكن التفاوض حولها بأريحية أكبر. وذلك بسوء تقدير البعض بتضرره بوصول حماس وعن طريق الانتخاب الشرعي. وأنّى! للحوار النجاح وقد انقسمت الطاولة بين رام الله وغزة وبين الداخل والخارج وبين حماس وفتح وبين الثوابت والتغيرات وبين اليمين الإسرائيلي واليمين الوسط وبين الحقائق والسراب.. لقد اختلطت الأوراق جميعها بانكشاف أهداف البعض التي يسعى لتحقيقها بتمرير خططهم لإسقاط الوطن مرة أخرى.
آمل أن جولات الحوار القائمة في الدوحة تتوفر لها أسباب النجاح وألا تسقط في هوة المآرب الشريرة بتجاوز كل المحاذير سالفة الذكر التي ثبتتها الوقائع السابقة، وآمل أن يدير حوارات المرحلة القادمة رجل رشيد.
