المقاومة ولوثة توريث الأبناء

المقاومة ولوثة توريث الأبناء
طباعة تكبير الخط تصغير الخط

المقاومة ولوثة توريث الأبناء

 

كان مما أوصل الشعوب العربية إلى حافّة اليأس من إصلاح أنظمتها قبيل الربيع العربي؛ وصول "جرأة" حكامها إلى تصدير أبنائهم وأفراد عائلاتهم في مواقع القرار والتحكّم في موارد دول لا يجعل دستورها لأبناء الحكام على الشعوب سبيلاً. 

ومكمن الاستفزاز في الأمر أنّ الوصول إلى مستوى كهذا يقتضي تجاوز ما يسبقه من مستويات الفساد والاستبداد، المتمثلة في تنفيع الأقارب والأهل في السرّ، والاستهانة بموقف عموم الناس وحقوقهم، وصولاً إلى المجاهرة بتصدير الأبناء علناً؛ في موقف قائم على افتراض خضوع عموم الشعب لهذا الانحراف وعجزهم عن تغييره.

 وفي حقيقة الأمر فإن بروز ظاهرة كهذه يعبّر عن وجود حاضنة واسعة منتفعة من فساد الأنظمة ولديها القدرة على تغطية أفعال الحاكم وتبريرها مهما بلغت بشاعتها.

وإذا كانت أمراض الأنظمة ذات طبيعة معدية لمجتمعاتها وبيئتها الثقافية، كما لاحظت دراسات عديدة، فينبغي للمقاومة الحذر من أية إرهاصات أو أعراض لمرض التوريث، سواء كانت تنفيعاً وتوظيفاً لأبناء المسؤولين وأقاربهم في المؤسسات التي يديرونها أو في المؤسسات "الصديقة"، أو تمكيناً للأبناء في مقدّرات المؤسسات وفي العلاقات السياسية والإدارية.

 وذلك لما تحمله ظاهرة التوريث من ضرر على صورة المقاومة في أعين كل من يتعامل معها من دول وقوى سياسية واجتماعية، ولما لها من أثر ضار بمعنويات أبنائها واستعدادهم للتضحية، ولنشرها ثقافة التنفيع غير المبرّر للأقارب.

والقدوة المفترضة للمسؤول المسلم في هذا المقام ردّ سيدنا عمر بن الخطاب على من اقترح عليه استخلاف ابنه عبدالله، بقوله: "بحسب آل عمر أن يحاسَب منهم رجل واحد". أمّا إذا زهد بالاقتداء بها فالمسؤولية على من تحمّلوا أمانة التشريع والرقابة وتمثيل المصلحة العامّة لكي يعيدوا الأمور إلى نصابها ويمنعوا استمرار هذه الظاهرة وتفاقمها، أمّا إن فرّطوا في أمانتهم فتزداد المسؤولية على العموم ليشهدوا بالحق وينهوا عن هذا المنكر وصولاً إلى إزالته، وبخلاف ذلك فهم متعرضون للإثم والخذلان.
جعلنا الله وإياكم أهلاً لنصره وتوفيقه.

محمد غازي الجمل
20-8-2023