جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي مركز غزة للدراسات والاستراتيجيات

مقال بعنوان الخصخصة .. فرصة لا تحتاج للتباطؤ

مقال بعنوان الخصخصة .. فرصة لا تحتاج للتباطؤ
طباعة تكبير الخط تصغير الخط

الخصخصة هي آلية تنقل بموجبها الملكية الحكومية أو الدولية المتمثلة بالمؤسسات أو الأنشطة إلى ملكية القطاع الخاص أو رجال الأعمال المستقلين.

فلسطين تعتبر في عالم الخصخصة من ضمن دول الجيل الثالث ، بمعنى أـننا في حين قمنا بتقسيم مراحل انتشار الخصخصة منذ بداية ظهروها وحتى يومنا هذا، فسنجد أن فلسطين قد جاءت  بالمرحلة الثالثة من هذا النمط الاقتصادي، فبداية ظهور الخصخصة يرجع إلى ما قبل القرن العشرين، و قد اقتصرت الخصخصة في ذلك الحين على الأنشطة الخدماتية، وكذلك اقتصرت على الدول الكبرى أو الدول المتقدمة، وفي مطلع القرن العشرين قررت بعض الدول النامية اللحاق بالموكب، وأصبحت هي الأخرى تخصخص أجزاء من ممتلكاتها، أو تعهد إلى مستثمرين القطاع الخاص بإدارتها.

 

وفي حين قمنا برصد تجربة الخصخصة في أي اقتصاد كان، فإن نجاح التجربة أو فشلها هو الفيصل في النهاية ، لكننا في حقيقة الأمر لا بد أن نقر بان موقف فلسطين من الخصخصة يعتبر موقفا فريدا ومحيرا، ويرجع هذا إلى وضعها الاستثنائي من بين دول العالم، لما تعانيه من الاحتلال والانقسام الداخلي اللذان يؤثران بدورهما على اقتصادها ونموه، فخبراء الاقتصاد يرون إن اعتبار التجربة الفلسطينية في الخصخصة تجربة ناجحة هو قول مبالغ فيه بنسبة كبيرة، وكذلك الحكم على التجربة أنها فاشلة برمتها سيكون فيه ظلم و افتراء كبير..

 

فمن الواضح أن التجربة فلسطين لم تكتمل على أي من الوجهين، فهي لا تعتبر قد فشلت بالكامل ولا تعتبر أنها حققت نجاحا قويا، فلو قمنا بمقارنة نظام الخصخصة الفلسطيني وأي دولة أخرى لجأت لنظام الخصخصة من الدول النامية، ولعل دولة تشيلي مثالا يحتدا به للمقارنة، ومن خلال ذلك سنجد أن  فارق بين الفائدة التي عادت على تشيلي من خلال  إتباعها لسياسية الخصخصة أكبر وأهم مما عاد على فلسطين، إذ أن معدلات النمو ارتفعت بنسبة كبيرة، بالإضافة إلى العديد من المزايا الأخرى التي تمتع بها ألاقتصادها القومي اللتشيلي، ولكن في حين قمنا  بالنظر إلى التجربة الفلسطينية سنجد إنها قد حققت نموا نسبيا هي الأخرى، ولكنها في ذات الوقت تختلف عن التجربة التشيلية في افتقارها للعديد من المميزات.

 

السؤال الذي يفرض نفسه بقوة الآن هو ما الفارق بين التجربتين الفلسطينية والتشيلية في إتباع كل منهما لنظام الخصخصة؟

فالإجابة هنا تتمحور حول فرق واحد رئيسي، إنه بلا شك أسلوب التعامل مع آليات الخصخصة، فالجانب الفلسطيني كان متردداً ومتخوفاً من الاتجاه إلى الخصخصة، ولا بد أن نقر بان له كل العذر وكذلك له مبرراته المقبولة، فالاقتصاد الفلسطيني يعتمد على المعونات والمنح الخارجية فهو يعاني من الضعف والإطراب والافتقار إلى امتلاك العملة الوطنية، وقد اعتاد لفترة طويلة على تجمع مقاليد الأمور  بقبضة الدولة أو القطاع العام، لعل هذا التخوف هو من العوامل التي سلبت منه الامتيازات التي تمتع بها الاقتصاد التشيلي، والذي اعتبر الخصخصة مشروعا تنمويا بعيد المدى ولم يظهر اهتماماً كبيراً بأي من الآثار السلبية السريعة، أما فلسطين فقد كانت تخطو نحو الخصخصة بخطوات مُتباطئة وحذرة.

ولعل مستقبل الخصخصة في فلسطين يعتبر من الصعب بل من المستحيل التنبؤ به بدرجة كبيرة، إذ أنه متوقف على المسار الذي ستسلكه فلسطين في المرحلة المقبلة، فلا تزال الفرصة سانحة أمام الاقتصاد الفلسطيني فما على فلسطين أولا غير أن تتخطى أزماتها بنجاح ، فيمكن اغتنام هذه الفرصة بشرط اتخاذ خطوات سريعة وجريئة، أهمها يتمثل في  سرعة التخلص من الانقسام الداخلي ومن ثم اتساع الأفق والتعامل بذات درجة الاهتمام مع كافة الأهداف ، بمعنى أن يكون الأمر أكثر شمولية مما هو عليه الآن، فلا يكون تخفيف العبء الواقع على الإنفاق الحكومي هو الهدف من الخصخصة، ويتوجب الاعتداد بالخصخصة بأنها وسيلة هامة و حقيقية من شأنها الدفع بعجلة الاقتصاد للأمام، وأنها قادرة على المساهمة الفعالة بالارتقاء بالدخل القومي الفلسطيني، وهذا يتطلب فتح المجال بشكل أكبر أمام مستثمري القطاع الخاص، وكذلك تعدد القطاعات التي يمكن فتح المجال أمامها لتطبيق سياسة الخصخصة معها.