جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي مركز غزة للدراسات والاستراتيجيات
الحكومة الرشيدة بين الحلم والواقع
الكاتب : صبحي فرحات
الحكومة الرشيدة بين الحلم والواقع
بقلم : صبحي فرحات
مما لا شك فيه أن جميع الشعوب تطمح أن يكون لديها حكومة رشيدة، جنة تنعم بالأمن والاستقرار لأسرها وأبنائها ، ولكن لم يذكر التاريخ مدينة و بلدة محددة نعمت في ولاية رشيدة على مدارالتاريخ، فقد تكون محظوظة بعشرات أو مئات سنين ، وذلك يعود لأسباب كيرة منها أن السنة البشرية اقتضت باستحالة دوام الحال، أو لضعف في سياسة الحكم فكم من حكومات شاخت جراء ضعف أو خلافات جمة فدمرت نفسها بنفسها على الصعيد المحلي والعربي والدولي/ نتيجة أخطاء فادحة في تسليم زمام الأمور لأناس غير مؤهلين، أو انقلابات داخلية وخارجية أكلت الأخضر واليابس وسحبت في أدراجها ضحايا ونصبت جلادين ليتغنوا على جنبات العرش دون مراعاة للمبادئ الإنسانية
إذن فالحكومة الرشيدة مطمح سوي يتوق له كل مواطن يريد العيش بالسلام، لكن تبقى الظروف والاوضاع المتباينة سيدة الموقف وأكبر أنموذج مشرف ما عاشته الأمة الإسلامية في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم عهد الخلفاء الراشدين، فهذه نماذج رائعة في منهجية الحكم ومراعاة مصالح الناس وتحقيق مبدأ الشورى والعدل والمساوة بكل معنى الكلمة ، بسبب وجود فهم صحيح وتوازن سليم بين الرؤساء والمرؤوسين ، ما جعل الدائرة تدور في فلك متوازن ،كل يعرف ما له وما عليه، فليس غريبا أن يرى عمر بن الخطاب رضي الله عنه نفسه أنه خادم لقومه وعليه أن يحاسبه شعبه في حالة الخطأ ، ولم تخش المرأة أن تعترض عليه عندما أراد أن يحدد مهور النساء وقالت له بما معناه هذا أمر يخصنا. هذه المنهجية الرائعة التي تميز فيها هذا الجيل .. استفاد منها الغرب في تفاصيل أنقلتهم من مراحل دنيا الى مراحل عليا ، بغض النظر عن المفاهيم والمصطلحات ومدى ارتباطها بأهداف دنيوية وأخروية ، وباتت تتغني بالديمقراطية والمجالس التشريعية والتنفيذية والقضائية وممثلي الحزب واللجان الشعبية وغيرها.. كل ذلك من أجل أن ترقى الى حكم يرضي الشعوب والدول ، وكما نقول في قانون الأسواق " الزبون على حق" فأقول مطالب الشعب على حق ، ولكن اسأل معي نفسي هل يوجد حكومة في العصر الحالي قادرة على تلبية شعوبها وصناعة أجواء مثالية عالية الجودة لإرضاء الجميع، في ظل تعقيدات الحياة على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي / ناهيك عن المطامح والمصالح الاستعمارية والعولمة المتفشية ، وثورة المعلومات التي تكاد تحول الإنسان الى مجهول لم ترسم ملامحة الكاملة بعد ، كل هذه الأمور تعكس مرآة الحكومة ، " فكما نحن يولى علينا" وهاهي فلسطين عينة فعاشت ما عاشته الحضارات والعصور السابقة، من اليونانية والرمانية والإسلامية والأموية العباسية والفاطمية والممالكية والعثمانية وصولا إلى الانتداب البريطاني والاحتلال الصهيوني، والتسويات السياسية بعد أوسلو وتوليها حكومة فتح وأخيرا بعد الانتخابات وفوز حكومة حماس ، كل ذلك أوجد صراعات مريرة عاشها الشعب الفلسطيني جعلته يعيش في أجواء مضطربة فتارة ما نلوم الحكومة و تارة نلتمس لها أعذارا وأوقات أخرى يكفرون بهم كلهم أو يفضل فصيل على فصيل أي يمقتوهم جميعا لماذا كل ذلك هل الشعب لا يفهم بالسياسة ؟ هل نحن لا يستحق أن يولى علينا أحد.. أسئلة كثيرة , وأجوبة أكثر ، تدعونا للعودة الى سؤال رئيس هل نحن نبحث عن حكومة رشيدة؟ . حتى تحل جميع مشاكلنا، هل ما وصلنا إليه كان بسبب غياب هذه الحكومة المنقذة؟ هل علينا أن نعود من جديدة أن نختار حكومة بمواصفات تليق بحاجات الشعوب؟
من وجهة نظري أجد أن الشعب الفلسطيني لا يحتاج إلى حكومة رشيدة بقدر ما يحتاج الى شعب رشيد ويفهم ما حجم التحديات التي تدور حوله، فما هذا إلا شعب محتل لن يسمح له العالم أن ينعم بحكومة رشيدة حتى لا يستطيع أن يطالب بحقوقه المسلوبة، فالخصوصية الفلسطينية تركت المهجر والمحروم من أبسط حقوقه فبات يتنقل غريبا قي بلاده لا يستطيع يعيش عليها بسلام لا يستطيع أن يتنعم بها ، فهو محاصر اقتصاديا وسياسيا وفي كل المجالات.. وما مرت به حكومة فتح وحكومة حماس أكبر دليل على ذلك بعض النظر عن الإيجابيات والسلبيات ومدى تفوق فصيل على الآخر ، فأنا أعدها حكومة ناقصة لم تعش في أجواء صحية حتى تستطيع أن تلد قررات صائبة فحياتهم السياسية أوجاع مكبلة بالضغوطات الداخلية والخارجية سواء الموروثة في العادات والتقاليد المجتمعية أو الهيمنة الدولية على نقاط الضعف الفلسطينية المرتبطة بالحاجات الأساسية.. فكيف لي أن ألوم ذاك أو ذاك ..فما نحقق من إدارة أو إنجاز يحسب لنا مهما كان.
الاربعاء 6/9/2016 الساعة 11.54
