جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي مركز غزة للدراسات والاستراتيجيات
الرجل المناسب في المكان المناسب
الكاتب : علي محمد حامد النجار
أصبح التعيين في واقعنا الحالي في الوظائف بشكل عام ومراكز اتخاذ القرار بشكل خاص يتم في كثير من الأحيان حسب الانتمائية الحزبية أو القرب من عشيرة أو أسرة صاحب القرار والاختيار، يتم كل ذلك بغض النظر عن المؤهلات العلمية أو الفنية أو الخبرة أو السيرة الذاتية، وقد حذرنا الرسول محمد صلي الله عليه وسلم من هذا الامر وجعله من أشراط الساعة فقال " إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة " هذه هي الكارثة الكبرى أن نضع من لا يستحق في مكان لا يستحقه وغير مناسب له، فغالباً ستكون قراراته وتصرفاته تصب في مصلحته فقط دون مراعاة المصلحة العامة، لذلك إن أي اختيار إذا لم يكن علي أساس مهني يصبح معرقلاً، ويكون سبباً رئيسياً في خسارة الوقت والأموال، ويؤدي إلي التخلف والرجوع إلي الوراء خطوات وسنوات وهذا هو السبب الرئيس في انتشار الفساد المالي والإداري والسياسي وانعدام العدالة وعدم المساواة في الحقوق بين الناس، لأن الشخص غير المناسب يأتي بأشخاص غير مناسبين من حوله، ويعينهم حتي تصبح كل دائرة مليئة بأشخاص غير مناسبين، ولولا وجودهم لما وصلنا إلي ما نحن فيه الآن من فساد وضياع الأموال العامة وسوء إدارتها.
والحقيقة إن تقدم المجتمعات وتطورها يكون رهينة بالاختيار السليم لقياداتها وخاصة في القطاعات الاقتصادية والإنتاجية، قيادات قادرة على الابتكار والابداع وتطوير العمل من خلال المعايير العلمية الصحيحة والمعروفة عالمياً، وهي وحدها تستطيع أن تحدد المؤهل والغير مؤهل وهذه المعايير تشمل الكفاءة المهنية وعمق الخبرة والمؤهل العلمي والشخصية القيادية المتكاملة القادرة على تحمل المسؤولية والقادرة على الإنجاز. ولاختيار الشخص المناسب لابد من عدم الاختيار علي أساس العلاقات الشخصية أو حسب الانتماءات، وأن يكون هناك تكافؤ للفرص وعدم تمييز بين الأفراد، ولقد أكد الدين الإسلامي علي أنه من الواجب علي الحكومات والمسؤولين أن يسندوا أمورهم إلي الأمثل فالأمثل، وإلا كان المسؤولين أثمين حينما يضعون الرجل غير المناسب في المكان المناسب لأن جهله بعمله وضعف خبرته سينعكس سلباً علي الواجبات المكلف بها، وهذا مصداقاً لقوله تعالي " إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين " لذلك إذا أردنا اصلاح إداري وسياسي واقتصادي واجتماعي لا بد من نشر ثقافة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وهذا يحتاج إلي وقفة صادقة وجادة من أصحاب القرار لوضع الأمور في نصابها الحقيقي.
ودعونا نفكر قليلاً في الحياة الآخرة كما نفكر في الحياة الدنيا دعونا نتذكر ذلك اليوم الذي يحاسب كل منا على عمله فقط، وليس على عمل غيره " وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ " ولنتق الله في ديننا وفي وطننا ونتجه إلى الطريق الصحيح بالتوجه نحو وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
