مركز غزة للدراسات و الاستراتيجيات
تاريخ النشر : 2016-01-27
الإدارة بالتجوال في الإسلام
الإدارة بالتجوال في الإسلام
لقد تبادر الى الاذهان ان علم الادرة بالتجوال علم حديث النشأة ونه مرتبط بعصر النهضة الحالى والانفجار المعرفي والتطور العلمي والتكنولوجي ، أو نتيجة الحاجة الى زيادة الانتاج وتخفيض التكاليف، وقد يعتقد البعض أن علم الإدارة بالتجوال قد نشأ على يد الكاتبان بيترز وواترمان وذلك عندما كشفا عن مفهوم الإدارة بالتجوال كأساس للقيادة والتميز كما سبق وأن أشار الباحث إلى ذلك سابقاً في كتابهما البحث عن التميز فإن صنف الأدب الإداري الحديث عملية الإدارة بالتجوال كموضوع إداري معاصر يقود المؤسسة إلى النجاح والتميز، فقد كان الإسلام سباقاً في تطبيقه فكراً وعملا . فقد أسس للإدارة بالتجوال رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " مَنْ وَلاّهُ اللَّه شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمُ، احْتَجَبَ اللَّه عَنْه دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَفَقْره) أبوداوود،2007:ح2948 :525 ). وكما قال صلى الله علية وسلم " كُلُّكُمْ راعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) " البخاري، :2008 ح(303: 2554 حيث لم يكتف عليه السلام بالجلوس في المسجد والاستماع إلى الشكاوى بل كان يخرج بنفسه ويتفقد أحوال رعيته ويتجول في الأسواق فجاء صلى الله عليه وسلم إلى صبرة طعام فأدخل يده فيها فوجد بللا فقال: ما هذا يا صاحب الطعام فقال أصابته السماء يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: أَفَلَا جَعَلْتَه فَوْقَ الطَّعَامِ؛ كَيْ يراهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) (مسلم،71 :2003 ،ح( 186. هذا وقد سار من بعده على نهجه -الخلفاء الراشدون- وأولوا أسلوب الإدارة بالتجوال فائق عنايتهم، لما له من فاعلية في تصحيح مسار النظام الإداري، حيث كان صفة مميزة لإدارة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين كان ينطلق كل ليلة يتحسس أحوال الناس ويتفقدهم ويجول بينهم، ويرى كيف يعيشون، حتى جاء في إحدى الليالي بيتا من الشعر مضروباً، لم يكن قد رآه بالأمس فدنا منه؛ فسمع فيه أنين امرأة، ورأى رجلا جالساً، فدنا منه وقال له: من الرجل ؟ فقال: رجل من البادية، قدمت إلى أمير المؤمنين، لأُصيب من فضله، قال: فما هذا الأنين ؟ قال: أمرأه مخضت- أي أتاها المخاض- فقال: فهل عندها أحد؟ قال: لا، فانطلق عمر فجاء إلى منزله، فقال لزوجته- أم كلثوم بنت على بن أبي طالب هل لك في أجر قد ساقَه الله إليك ؟ قالت: وما هو! قال: امرأة مخضت ليس عندها أحد! قالت إن شئت! قال: فخذي معك ما يصلح للمرأة من الخرق والدهن، واتني بقدر وشحم وحبوب، فجاءته به، فحمل القدر، ومشت خلفه، حتى أتى البيت، فقال لها: ادخلي إلى المرأة، ثم قال للرجل:أوقد لي ناراً ، ففعل فوضع القدر بما فِيها، وجعل عمر ينفخ النار ويضرمها، والدخان يخرج من خلال لحيته حتى أنضجها، وولدت المرأة، فقالت أم كلثوم: بشر صاحبك يا أمير المؤمنين بغلام: فلما سمعها الرجل تقول: يا أمير المؤمنين ارتاع وخجل، وقال: يا خجلتاه منك يا أمير المؤمنين! أهكذا تفعل بنفسك! فقال قولته السديدة: يا أخا العرب، من ولي شيئاً من أمور المسلمين ينبغي له أن يطلع على صغير أمورها وكبيرها، فإنه عنها مسئول، ومتى غفل عنها خسر الدنيا والآخرة ، هكذا سار الخليفة عمر بن الخطاب في إدارته، مجسداً مفهوم "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" ولم يكن قد وصل الناس في الإدارة حينذاك إلى مفهوم ولكنه الفهم الصحيح للرسالة الإسلامية السامية التي تهدف إلى تحقيق الخير في حياة الناس وتفعيل البر في النفوس(القضاة، :2012 .(http://www.ajlounnews.net كل هذا يؤكد على أن الإدارة الإسلامية متمثلةً بالرسول الأعظم، والخلفاء الراشدين، والحكام المسلمين من بعدهم، لم يقبلوا العمل من المكاتب المغلقة بل دعوا لمعايشة الواقع ميدانياً، ومواجهة المشاكل، حيث بادروا بالاتصال بشعوبهم للتعرف على أمورهم وقضاياهم عن كثب، حتى لو تطلب الأمر السفر لمسافات طويلة، ومما يروى عن عمر بن الخطاب قوله:"لئن عشت إن شاء الله لأسيرن في الرعية حولاً، فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني، أما عمالهم فلا يدفعونها إليّ، وأما هم فلا يصلون إليّ، فأسير إلى الشام فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الجزيرة فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى الكوفة فأقيم بها شهرين، ثم أسير إلى البصرة فأقيم بها شهرين، ثم والله لنعم الحول هذا" (الصلابي، .(379 :2002 بذلك كان الاسلام سباقاً في وضع مفهوم الادارة بالتجوال مبدأ للتطبيق وفق منهج النبوة والخلافة الراشدة التي اسست لكل علوم الدنيا التي نص عليها القران الكريم وفسرتها سنة النبي صلى الله علية وسلم وطبقها رسول الله صلى الله علية وسلم وسار على نفس الدرب من بعده من الخلفاء والتابعين . شريف فروانة 27/1/2016