علاقة الجغرافيا بالحرب
بقلم الباحث / إياد خالد هنا
لاشك أن هناك صلة وثيقة بين جغرافيا المنطقة والحرب، حيث إن التضاريس هي الهيئات الطبيعية التي تدور المعارك عليها. فليست ثمة معركة أو حملة عسكرية لم تلعب فيها الأوضاع العسكرية - الأرض والمنظومة الثقافية والتأثير الشديد لعاملي المناخ والطقس - دوراً حاسماً في عملية اتخاذ القرار العسكري، إذ يتحتم على القادة وأركان التخطيط تخطيط العمليات بما يناسب الأوضاع الطبيعية والمعركة. ورغم أهمية التدريب الجيد والقيادة الناجحة وتفوق الأسلحة والمذهب العسكري في كسب المعارك، إلاّ أن الجغرافيا لها تأثير كبير على النتيجة الحاسمة للحرب. فينبغي على القادة - على كافة المستويات - أن يضعوا نصب أعينهم العوامل الطبيعية والثقافية الأساسية التي تحدد نتائج المعارك، ولعل من أهم تلك العوامل القيود التي يفرضها عاملا الوقت والمكان، والاعتبارات الجغرافية الثابتة المتمثلة في الأرض والطقس والمناخ ،علاوة على ذلك، فإن دروس التاريخ تبين أن القائد بوسعه استغلال الأوضاع العسكرية بدهاء للتغلب على خصم يفوقه عدداً وعدة، أو يتمتع بمزايا أرضية واضحة.
ويملك علم الجغرافيا الكثير للمساهمة في فهم الحروب، فالجغرافيا تمثل للحرب عمقاً أساسياً لكل التحركات العسكرية وسير العمليات الحربيّة، إذ أنه من المستحيل فصل العمليات العسكرية عن ظروف البيئة الجغرافية؛ حيث تمثل الأرض بواقعها الطبيعي والبشري مسرحاً للعمليات العسكريّة.
هناك عدة جوانب توضح أهمية الجغرافيا في تحليل الحروب، مثل الدور الذي تلعبه العوامل الاستراتيجية المكانية قبل وأثناء الحرب، مثل تأثير تلك العوامل على حركة المعدات العسكرية عبر المضايق الدولية ونقاط الاختناق، وتوزيع القوات والأسلحة من أجل المعركة، وتحليل موارد وقدرات الدولة، ودرجة انكشاف وتعرض خطوط التجارة والإمداد للخطر الخارجي، ويمكن للحكومات أن تستعين بالجغرافيين كمحترفين للقيام بهذه التحليلات الاقتصادية والعسكرية. وهناك الكثير من الحروب عبر التاريخ تنبثق عن نزاعات حدودية، وكان للجغرافيا العسكرية في الماضي أثر جوهري على القتال العسكري، حيث لعب شتاء روسيا دورا في هزيمة نابليون وهتلر، وساعدت أشكال سطح الأرض ( هضاب الكويستا cuestas ) التي يمكن الدفاع عنها ، والواقعة شمال باريس على إيقاف الغزو الألماني عام 1914، وأوقفت الأسيجة النباتية تقدم الحلفاء في النورمندي Normandy ، واعترض اتساع مساحة الصين المحاولات اليابانية للسيطرة العسكرية في الثلاثينات من القرن العشرين ، ومكنت طبيعة منطقة الخليج "الفارسي" التكنولوجيا من سحق الجيش العراقي بوقت قصير جدا ، ومن المنطقي أن يكون للجغرافيا العسكرية أثر جوهري على القتال مستقبلا.
فالجغرافيا كانت منذ أن بدأت الحضارات الأولية ولازالت هي البوتقة الأساسية للإستراتيجية العسكرية للإنسان في صياغة خططه الهجومية أو خططه التكنيكية.
لقد استعرض أحد الضباط الجغرافيين الفرنسيين وهو (جوستاف ليون ينوكس ـ1890 - 1921 GUSTAVE-LEON NIOX,) في كتابه عن الجغرافيا الحربية بإسهاب دور الجغرافيا في الحروب، وهو الذي أرسى مفاهيم وأسس ومبادئ الجغرافيا الحربية، وبدأت هذه المبادئ بالتطور مع نهاية الحروب العسكرية في الفترة النابليونية، وبدأت باقي الدول الأوروبية كإيطاليا، والنمسا، والبرتغال، وسويسرا، وروسيا تستفيد من الفكر الجغرافي الحربي الفرنسي القاضي بالتعرف الجيد على مختلف عناصر جغرافية المكان من أجل استخدامها والاستفادة منها للأعراض العسكرية، فأشكال التضاريس، والمناخ، والهيدرولوجيا "جغرافية المجاري المائية السطحية"، وجغرافية النبات، تشكل قواعد العمل الرئيسة في التحليل الحربي للأغراض الدفاعية والهجومية على حد سواء.
ولأجل أن تؤدي الجغرافيا دورها، فقد قامت المدارس والكليات العسكرية الكبرى بتدريس الجغرافيا الحربية وأصولها وقواعدها وهذا الأمر يعني ويعكس أهمية العلوم الجغرافية للأغراض العسكرية.
بقلم الباحث/ إياد خالد هنا